فصل: النوع الثاني والستون‏:‏ معرفة من خلط في آخر عمره

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقدمة ابن الصلاح المسمى بـ «معرفة أنواع علوم الحديث» **


*1*  النوع الثاني والستون‏:‏ معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات

هذا فن عزيز مهم، لم أعلم أحداً أفرده بالتصنيف واعتنى به، مع كونه حقيقاً بذلك جداً‏.‏ ‏(‏239‏)‏

وهم منقسمون‏:‏

فمنهم من خلط لاختلاطه وخرفه، ومنهم من خلط لذهاب بصره، أو لغير ذلك‏.‏

والحكم فيهم‏:‏ أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل حديث من أخذ عنه بعد الاختلاط، أو أشكل أمره، فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده‏.‏

فمنهم ‏(‏عطاء بن السائب‏)‏، اختلط في آخر عمره، فاحتج أهل العلم برواية الأكابر عنه، مثل ‏(‏سفيان الثوري‏)‏ ‏(‏وشعبة‏)‏، لأن سماعهم منه كان في الصحة، وتركوا الاحتجاج برواية من سمع منه آخراً‏.‏

وقال ‏(‏يحيى بن سعيد القطان‏)‏ في ‏(‏شعبة‏)‏‏:‏ إلا حديثين كان ‏(‏شعبة‏)‏ يقول‏:‏ سمعتهما بالآخرة عن ‏(‏زادان‏)‏‏.‏

‏(‏أبو إسحاق السبيعي‏)‏، اختلط أيضاً، ويقال‏:‏ إن سماع ‏(‏سفيان بن عيينة‏)‏ منه بعد ما اختلط، ذكر ذلك ‏(‏أبو يعلى الخليلي‏)‏‏.‏

‏(‏سعيد بن إياس الجُريري‏)‏، اختلط وتغير حفظه قبل موته‏.‏

قال ‏(‏أبو الوليد الباجي المالكي‏)‏‏:‏ قال ‏(‏النسائي‏)‏‏:‏ أُنكر أيام الطاعون، وهو أثبت عندنا من ‏(‏خالد الحذاء‏)‏ ما سُمع منه قبل أيام الطاعون‏.‏

‏(‏سعيد بن أبي عروبة‏)‏، قال ‏(‏يحيى بن معين‏)‏‏:‏ خلط ‏(‏سعيد بن أبي عروبة‏)‏ بعد هزيمة ‏(‏إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن‏)‏، سنة اثنتين وأربعين - يعني -ومائة‏.‏

فمن سمع منه بعد ذلك فليس بشيء‏.‏

‏(‏ويزيد بن هارون‏)‏، صحيح السماع منه، سمع منه بواسط، وهو يريد الكوفة‏.‏ وأثبت الناس سماعاً منه ‏(‏عبدة بن سليمان‏)‏‏.‏ ‏(‏240‏)‏

قلت‏:‏ وممن عرف أنه سمع منه بعد اختلاطه ‏(‏وكيع‏)‏، ‏(‏والمعافى بن عمران الموصلي‏)‏‏.‏ بلغنا عن ‏(‏ابن عمار الموصلي‏)‏ أحد الحفاظ أنه قال‏:‏ ليست روايتهما عنه بشيء، إنما سماعهما بعدما اختلط‏.‏

وقد روينا عن ‏(‏يحيى بن معين‏)‏ أنه قال ‏(‏لوكيع‏)‏‏:‏ تحدث عن ‏(‏سعيد بن أبي عروبة‏)‏ وإنما سمعتَ منه في الاختلاط ‏؟‏ فقال‏:‏ رأيتَني حدثت عنه إلا بحديث مستوٍ ‏؟‏

‏(‏المسعودي‏)‏ ممن اختلط، وهو ‏(‏عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهُذَلي‏)‏، وهو أخو ‏(‏أبي العميس عتبة المسعودي‏)‏‏.‏ ذكر ‏(‏الحاكم أبو عبد الله‏)‏ في كتاب ‏(‏المزكين للرواة‏)‏ عن ‏(‏يحيى بن معين‏)‏ أنه قال‏:‏ من سمع من ‏(‏المسعودي‏)‏ في زمان ‏(‏أبي جعفر‏)‏ فهو صحيح السماع، ومن سمع منه في أيام ‏(‏المهدي‏)‏ فليس سماعه بشيء‏.‏

وذكر ‏(‏حنبل بن إسحاق‏)‏، عن ‏(‏أحمد بن حنبل‏)‏ أنه قال‏:‏ سماع ‏(‏عاصم‏)‏، هو ‏(‏ابن علي‏)‏، ‏(‏وأبي النضر‏)‏ وهؤلاء، من ‏(‏المسعودي‏)‏ بعد ما اختلط‏.‏

‏(‏ربيعة الرأي بن أبي عبد الرحمن‏)‏، أستاذ ‏(‏مالك‏)‏، قيل‏:‏ إنه تغير في آخر عمره، وترك الاعتماد عليه لذلك‏.‏

‏(‏صالح بن نبهان‏)‏، مولى ‏(‏التوأمة بنت أمية بن خلف‏)‏، روى عنه ‏(‏ابن أبي ذئب‏)‏ والناس‏.‏

قال ‏(‏أبو حاتم بن حبان‏)‏‏:‏ تغير في سنة خمس وعشرين ومائة، واختلط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يتميز، فاستحق الترك‏.‏

‏(‏حُصَين بن عبد الرحمن الكوفي‏)‏، ممن اختلط وتغير، ذكره ‏(‏النسائي‏)‏، وغيره، والله أعلم‏.‏

‏(‏عبد الوهاب الثقفي‏)‏، ذكر ‏(‏ابن أبي حاتم الرازي‏)‏، عن ‏(‏يحيى بن معين‏)‏ أنه قال‏:‏ اختلط بآخرةٍ‏.‏

‏(‏سفيان بن عيينة‏)‏، وجدت عن ‏(‏محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي‏)‏‏:‏ أنه سمع ‏(‏يحيى بن سعيد القطان‏)‏ يقول‏:‏ أشهد أن ‏(‏سفيان بن عيينة‏)‏ اختلط سنة سبع وتسعين، فمن سمع منه في هذا السنة وبعد هذا فسماعه لا شيء‏.‏

قلت‏:‏ توفي بعد ذلك بنحو سنتين، سنة تسع وتسعين ومائة‏.‏ ‏(‏241‏)‏

‏(‏عبد الرزاق بن همام‏)‏‏:‏ ذكر ‏(‏أحمد بن حنبل‏)‏‏:‏ أنه عمي في آخر عمره، فكان يلقن فيتلقن، فسماع من سمع منه بعد ما عمي لا شيء‏.‏ قال ‏(‏النسائي‏)‏‏:‏ فيه نظر لمن كتب عنه بآخرة‏.‏

قلت‏:‏ وعلى هذا نحمل قول ‏(‏عباس بن عبد العظيم‏)‏، لما رجع من صنعاء‏:‏ والله لقد تجشمت إلى ‏(‏عبد الرزاق‏)‏، وإنه لكذاب، ‏(‏والواقدي‏)‏ أصدق منه‏.‏

قلت‏:‏ قد وجدت فيما روي عن ‏(‏الطبراني‏)‏، عن ‏(‏إسحاق بن إبراهيم الدَبَري‏)‏، عن ‏(‏عبد الرزاق‏)‏، أحاديث استنكرتها جداً، فأحلت أمرها على ذلك، فإن سماع ‏(‏الدبري‏)‏ منه متأخر جداً‏.‏ قال ‏(‏إبراهيم الحربي‏)‏‏:‏ مات ‏(‏عبد الرزاق‏)‏ ‏(‏وللدبري‏)‏ ست سنين أو سبع سنين، ويحصَّل أيضاً في نظر من كثير من العوالي الواقعة عمن تأخر سماعه من ‏(‏سفيان بن عيينة‏)‏ وأشباهه‏.‏

‏(‏عارم محمد بن الفضل‏)‏، ‏(‏أبو النعمان‏)‏، اختلط بآخرة‏.‏ فما رواه عنه ‏(‏البخاري‏)‏ و‏(‏محمد بن يحيى الذُهَلي‏)‏ وغيرهما من الحافظ، ينبغي أن يكون مأخوذاً عنه قبل اختلاطه‏.‏

‏(‏أبو قِلابة عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي‏)‏، روينا عن الإمام ‏(‏ابن خزيمة‏)‏ أنه قال‏:‏ حدثنا ‏(‏أبو قلابة‏)‏ بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد‏.‏

وممن بلغنا عنه ذلك من المتأخرين ‏(‏أبو أحمد الغِطريفي الجرجاني‏)‏، ‏(‏وأبو طاهر‏)‏ حفيد الإمام ‏(‏ابن خزيمة‏)‏‏.‏

ذكر الحافظ ‏(‏أبو علي البرذعي ثم السمرقندي‏)‏ في ‏(‏معجمه‏)‏‏:‏ أنه بلغه أنهما اختلطا في آخر عمرهما‏.‏

‏(‏وأبو بكر بن مالك القَطِيعي‏)‏، راوي مسند ‏(‏أحمد‏)‏ وغيره، اختل في آخر عمره وخرف، حتى كان لا يعرف شيئاً مما يقرأ عليه‏.‏

واعلم‏:‏ أن من كان من هذا القبيل محتجاً بروايته في ‏(‏الصحيحين‏)‏ أو أحدهما، فإنا نعرف على الجملة‏:‏ أن ذلك مما تميز، وكان مأخوذاً عنه قبل الاختلاط، والله أعلم‏.‏